أشار تقرير جديد عن شركة الاستشارات والتقنية العالمية “بوز ألن هاملتون” Booz Allen Hamilton إلى أن تقنيات “بلوك تشين” BlockChain الجديدة والناشئة هي أساسية لدعم وتحقيق الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط، في الوقت التي تضمن فيه حماية فعالة بمواجهة التهديدات المتنامية في أمن البيانات والجريمة الإلكترونية.
ويوصي التقرير الصادر تحت عنوان “تقنية بلوك تشين – هل يمكن للاقتصاد الرقمي أن يزدهر من دونها؟” أنه مع سعي الحكومات في بلدان الخليج العربي إلى استحداث بعض من أذكى المدن في العالم وسط ثقافة الابتكار، يمكن أن توفر تقنية “بلوك تشين” وسائل سلسة وفعالة لحماية المدن الذكية وإتاحة تطورها، وتشفير أنظمة المعاملات الرقمية وتطوير نظام بيئي جديد للدفع بالاقتصاد نحو النمو.
وتساعد تقنية “بلوك تشين” التي كانت تعرف بسجل المعاملات بيتكوين، على الحفاظ على قوائم مقاومة للتلاعب في سجلات البيانات المتنامية باستمرار، وتتيح تبادلًا آمنًا للمواد القيمة كالأموال أو الأسهم أو حقوق الوصول إلى البيانات. وخلافًا لأنظمة التجارة التقليدية، لا حاجة لوسيط أو نظام تسجيل مركزي لمتابعة حركة التبادل، بل تقوم كل الجهات بالتعامل مباشرة مع بعضها البعض.
وقال رامز شحادة، نائب الرئيس التنفيذي والمدير الإداري لشركة بوز ألن هاملتون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمشارك في وضع التقرير: “اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعيش مرحلة من التغيير السريع حيث تقوم الحكومات بالتنويع بعيدًا عن الأصول المرتكزة على النفط وتستنبط مصادر جديدة من الموارد مع التركيز على التقنية الجديدة كنواة لذلك التوجه. لكن الفرص تواكبها تحديات، ومع نشوء المدن الذكية لدعم البرامج الوطنية، ينبغي أن تكون الحكومات مستعدة لمواجهة التهديدات التي تتراوح ما بين القرصنة والجريمة الإلكترونية، وهنا يكمن دور تقنية بلوك تشين في مساعدة تلك المدن على تحقيق أهدافها من الاقتصاد الرقمي في الوقت الذي تضمن فيه أقصى درجات أمن الشبكة”.
وتدعم تقنية “بلوك تشين” القدرة على التطبيق في العالم الحقيقي عبر مجموعة من القطاعات من الرعاية الصحية إلى السيارات والقطاع المالي، وتساعد الحكومات الإقليمية على استخراج قيمة ملموسة من الكميات الهائلة من البيانات التي يمكن استخدامها لتلبية متطلبات المستهلكين المتغيرة باستمرار بتكاليف إضافية ضئيلة.
ومن المتوقع أن تصل قيمة سوق الخدمات الرقمية العالمية إلى 1.2 تريليون دولار أميركي في العام 2018 من 768 مليار دولار أميركي في العام 2013، بينما يتوقع أن يساهم التحول إلى الرقمنة بدعم الناتج المحلي الاجمالي بـ 5.5 مليارات دولار أميركي في دبي وحدها في الفترة عينها.
ومع تنامي تركيز بلدان الخليج العربي على الابتكار التكنولوجي بالتوافق مع الانتشار المتنامي لخدمات الانترنت، تسهل تقنية “بلوك تشين” توفير بنية تحتية عالية الضمانات من خلال قدرتها على القياس والأداء والتكيف مع الاقتصاد الرقمي السريع الانتشار والتغيير.
الأمن الإلكتروني في اقتصاد رقمي
ومع تنامي الاقتصاد الرقمي اتجهت المخاطر الإلكترونية نحو أهداف مركزة. فالخسارات السنوية للشركات على مستوى العالم الناتجة عن الهجمات الحاصلة على شبكة الانترنت فاقت الـ 7.7 ملايين دولار أميركي كمعدل عام لكل شركة وفق ما أشار اليه معهد بونيمون.
ولقد واجهت الحكومات في بلدان الخليج العربي التهديدات الإلكترونية باستحداث برامج كالتحديد الوطني والبيئة التحتية الرئيسية العامة التي تعتمد على بيانات بصمات العين واليد لضمان أمن المعلومات. وبينما أثبتت تلك المبادرات فعالية عالية مقابل تلك التهديدات، فإنه في حال تم خرق رابط واحد في السلسلة الرقمية الأساسية، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى توريط النظام بأكمله.
إن طبيعة تقنية “بلوك تشين” البسيطة والفعالة تزيل طبقات من التعقيدات بينما تدعم عنصر الأمن وتخفف من المخاطر المرتبطة بالشهادات الرقمية وسلطات التصديق.
وقال ماهر نايفه، نائب الرئيس الأول لدى بوز ألن هاملتون الشرق الأوسط وشمال افريقيا والمشارك في وضع التقرير: “في مسيرة تحويل البيانات إلى عملة وتعزيز قيمتها، يبدو أنه لا غنى عن تقنية بلوك تشين لقدرتها على إزالة الهموم المرتبطة بالأمن والتي تعتمدها المؤسسات حجة لتبرير عدم رغبتها في كشف المعلومات، في حين تشجع تبني مبادرات المشاركة بالبيانات والدفع بنظام بيئي يمكن أن يحدد قيمة البيانات مع الوقت”.
القطاعات الأساسية:
الرعاية الصحية: الرعاية الصحية هي قطاع جوهري في صلب تطوير المدينة الذكية. تقنية “بلوك تشين” قادرة على منع خرق البيانات في قطاع الرعاية الصحية من خلال استحداث وظائف موثوقة متعددة التواقيع والتشفير. وباعتماد تقنية “بلوك تشين”، يمكن استحداث سجلات المرضى والمشاركة بها والوصول اليها من قبل جهات عديدة من دون تعريض صحة وأمن البيانات للخرق.
من خلال هذه التقنية، يمكن للمرضى استخدام توقيعهم الخاص إضافة إلى توقيع صادر عن المستشفى للوصول إلى مجموعة من البيانات في حالات مختلفة. تقنية “بلوك تشين” مفيدة أيضًا في التأمين وعملية إصدار الفواتير، حيث تمكن التقنية المرضى وشركات التأمين وقسم الفواتير في المستشفى من إدارة المدفوعات من خلال منصة واحدة تخفف من التكرار عبر القطاع.
النقل: لقد أصبحت السيارات مكونًا تفاعليًا في شبكة النقل المتصلة المتنامية. إضافة إلى البرامج وأعمال التشخيص التي تحسن أمان وأداء السيارة، تتيح تطورات التقنية حاليا للسيارات رصد أنماط حركة السير والإفادة عن الأخاديد والانبعاثات واستهلاك الوقود.
وفي قطاع النقل، تساعد تقنية “بلوك تشين” على تخفيف مخاطر أمن شبكة الانترنت من خلال توفير منصة موثوقة وآمنة، حيث تحفظ البيانات بأمان في دفتر حسابات جماعي موزع يمكن أن يكون عاما أو خاصا، وفق الاستخدام والتصريحات.
القطاع المالي: تقنية “بلوك تشين” تفيد النظام المالي من خلال توفير بيئة مباشرة وفعالة وآمنة للمعاملات لتبادل مجموعة من الأدوات المالية من الأسهم والسندات والعملة النقدية، إلى الأجور والفوائد وأميال شركات الطيران.
وبينما ترتبط تقنية “بلوك تشين” بتقنية بيتكوين، تتميز التقنية بتطبيقات تغيير يمكن أن تزيد من أداء المعاملات وتخفيض التكاليف وإلغاء الحاجة إلى الانظمة القائمة كشركات المقاصة المالية.
كما تساعد تقنية “بلوك تشين” الحكومات في بلدان الخليج العربي على تعزيز الأمان في النظام المالي من خلال ضمان وتسهيل المعاملات في سوق رأس المال الاسلامي السريع النمو، وتحسين الوصول الموثوق الفسيح القاعدة بالنسبة للمستثمرين، والمساعدة في عملية طلب القروض بالنسبة للبنوك الاسلامية من خلال إصدار إتفاق ذكي مستخرج وموثق ومكرر عبر الشبكة، وإدارة سرقة الهوية وإتاحة الموافقة الذكية على التمويل.
الشركات الناشئة: دعم الشركات الناشئة والأنظمة البيئية المسرعة أمر أساسي لنمو الاقتصاد الرقمي في بلدان الخليج العربي. و”تقنية “بلوك تشين” قادرة على تأدية دور بارز في احتضان النظام البيئي للشركات الناشئة من خلال تسهيل الاجراءات كتسجيل الشركة وضمان التمويل وتسجيل الملكية الفكرية.
التقنية قادرة على تمكين الأفراد من إتاحة وصول جهات موافق عليها مسبقا من المعنيين في الشبكة إلى البيانات كالجهات المسؤولة عن تسجيل الشركات وبراءات الاختراع والتمويل، بينما تتيح في الوقت عينه تحديثا للبيانات في الزمن الحقيقي. هذا الأمر يخفف من الحاجة إلى تكرار المعلومات ويسهل اجراءات الطلبات كما يخفض الوقت وبعض التكاليف المرتبطة بإطلاق وتشغيل أي نشاط.
ولقد بدأت بلدان الخليج العربي تلمس هذه الفوائد. فالمجلس العالمي لتقنية “بلوك تشين” الذي أسسه متحف دبي لمؤسسة المستقبل بدأ بتشجيع احتضان الشركات الناشئة واستنباط التأثير المحتمل للتقنية على الاعمال والقطاع المالي، ودوره كذلك في تسهيل المعاملات عبر القطاعات. ويركز أول مشروع تجريبي على تبادل بيتكوين، بيت أويسيس، الذي يطبقه مركز دبي للسلع المتعددة لضمان اتفاقات المكاتب المرنة واجراءات التسجيل باستخدام دفتر حسابات “بلوك تشين”.
واختتم شحادة قائلًا: “التطبيقات المحتملة لتقنية بلوك تشين ضمن سعي بلدان الخليج العربي للابتكار هي متشعبة. ومن خلال توفير الحلول الرائدة لتطوير وإتاحة واحتضان القدرات الرقمية، تثبت تقنية “بلوك تشين” بأنها أداة قيمة جدا بالنسبة لمنطقة تتمتع بطموح البنية الذكية”.